تشير هذه الفترة إلى أن الطفولة مليئة بالنشاط والانطلاق، وتظهر خلالها طاقة ورغبة في الاكتشاف. فالطفل لا يهدأ؛ يتحرَّك، يسأل، يلمس كل ما يراه، محاولاً فهم العالم بطريقته. هذه الطبيعة النشطة هي السمة الغالبة في سنوات العمر الأولى. غير أن بعض الأسر تشعر بالقلق حين يتحوّل حركة الطفل إلى سلوك مفرط أو تخريب متكرر في المنزل.

النشاط والتقييم الطبي

تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية لعام 2024 إلى أن ما بين 5% إلى 7% من الأطفال حول العالم يُصابون باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه. يعد هذا الاضطراب أحد أكثر الاضطرابات السلوكية شيوعاً. عندما يلاحظ الأهل أن الطفل لا يستطيع الجلوس في مكان واحد لفترة قصيرة، أو ينتقل بنشاط من نشاط إلى آخر دون إكمال مهمة، أو يفقد الاهتمام بسرعة، ينبغي التوجّه إلى أخصائي نفسي أو تربوي لتقييم الحالة. ويُستخدم في التقييم مقياس كونس للمساعدة في تشخيص فرط الحركة وتشتت الانتباه.

السلوك التخريبي وفهمه

ليس التخريب سعيًا عدوانيًا دائمًا، بل هو غالبًا نتيجة لطاقة داخلية غير موجهة. الطفل الذي يُمنع باستمرار من اللعب أو الحركة الحرة قد يلجأ إلى تفريغ طاقته في سلوكيات غير مقبولة، كما أن بعض الأطفال يسعون لجلب انتباه الوالدين في بيئة تفتقر إلى التواصل الوجداني. وتؤكد الدراسات أن العقاب المستمر لا يغيّر السلوك، بل يعزز العدوانية والانطواء. بينما تحقق التعزيزات الإيجابية نتائج أقوى بثلاثة أضعاف وفق تقارير الجمعية الأمريكية لعلم النفس لعام 2023.

حب الاستطلاع والفضول البناء

حب الاستطلاع عند الأطفال من الصفات الأساسية في تكوينهم العقلي والنفسي، وهو الوسيلة الأولى للتعلم وفهم العالم. وصفه جان بياجيه بأنه «المعمل الأول للمعرفة». إذا غاب التوجيه والإشراف قد يتحوّل الفضول إلى سلوك خطير، مثل فتح الأجهزة الكهربائية أو استخدام الأدوات الحادة. لذلك تبرز أهمية الدور التربوي للأسرة في تحقيق توازن بين إتاحة الفرصة للطفل للاكتشاف مع وضع حدود تحميه وتحافظ على سلامة البيئة. تقرّ تقديرات اليونيسيف بأن مشاركة الأطفال في أنشطة معرفية وحركية منظمة تقلل السلوكيات العدوانية بنسبة تصل إلى 40% مقارنة بغيرهم.

التربية الإيجابية وتوجيه الطاقة

التربية الإيجابية من أهم أساليب التربية الحديثة التي تحول الانتباه من العقاب إلى التحفيز. تقوم على الثناء عند السلوك الصحيح، والصبر عند الخطأ، والتوجيه المتواصل دون قسوة. الطفل الذي يسمع تشجيعاً عند الالتزام أو الاجتهاد يبني ثقة بالنفس ويكرر السلوك الإيجابي تلقائيًا، بينما يؤدي العقاب القاسي إلى تراجع الدافعية وخوف من التعلم. هذا يبرز ضرورة اعتماد أساليب تعزيز السلوك الإيجابي لتحقيق نتائج أفضل.

رسالة للأهالي

تؤكد الرسالة العلمية أن الحركة الزائدة والسلوك التخريبي وحب الاستطلاع ليست بالضرورة مؤشرات سلبية، بل قد تكون دلالات على طاقة فطرية وفضول معرفي عميق. يمكن تحويلها إلى قوة بناءة إذا أُتيحت لها الرعاية الصحيحة من الأسرة والمربين. كل طفل يملك بذرة إبداع تحتاج إلى رعاية وصبر وفهم. لا يولد الأطفال مشاغبين، بل هم باحثون عن معنى الحياة في أبسط تفاصيلها.

شاركها.
اترك تعليقاً