أعلنت دراسة حديثة أُجريت في كازاخستان وجود ارتباطٍ مهمٍ بين ميكروبيوم الأمعاء والصحة النفسية. وأظهرت النتائج أن سوء التغذية واضطرابات البكتيريا المعوية قد يكونان عاملين مساهمين في زيادة مخاطر الاكتئاب، بل وفي وصول بعض الحالات إلى التفكير الانتحاري. وتؤكد الدراسة أن النظام الغذائي لا يؤثر في صحة الجسم فحسب، بل يمتد تأثيره إلى وظائف المخ والمشاعر والسلوكيات النفسية.
تفاصيل الدراسة وأسسها
تُعد هذه الدراسة أول دراسة من نوعها في كازاخستان، حيث فحص الباحثون عينات ميكروبيوم الأمعاء لـ71 شخصًا تتراوح أعمارهم بين 30 و42 عامًا، بينهم من توفوا نتيجة الانتحار، إضافة إلى مجموعة ضابطة من أشخاص أصحاء للمقارنة. هدف الفريق كان تحديد ما إذا كانت بكتيريا الأمعاء ترتبط باضطرابات صحية نفسية أو بزيادة خطر السلوك الانتحاري. وتبيّن أن فروق المجتمع البكتيري المرتبط بالمرض ارتبطت بمسارات أيضية داخل الخلايا، مع وجود زيادة في الالتهابات ونشاط العدوى ومقاومة المضادات الحيوية، خاصة فئة بيتا لاكتامز.
وفي المقابل، امتلكت مجموعة الضبط بكتيريا معوية تسهم في استقرار الجهاز العصبي وتحفيز إنتاج السيروتونين، وهو ناقل عصبي يرتبط بتحسن المزاج والمرونة العاطفية. وتبيّن أن عدة عوامل نمط حياة كانت بارزة بين من توفوا انتحارًا، منها 16 حالة تعاطوا الكحول، و3 تاريخ تعاطي مخدرات، و22 حالة مارست عادات صحية سلبية مثل التدخين وسوء التغذية. كما تشير النتائج إلى أن الوقائع المتعلقة بنمط الحياة قد تساهم في تفسير اختلافات ميكروبيوم الأمعاء بين المجموعتين.
هل النظام الغذائي سبب مباشر؟
يُظهر البحث أن النظام الغذائي يعد أحد العوامل الكبرى التي تشكل ميكروبيوم الأمعاء، وبالتالي قد يؤثر في الصحة النفسية. لا تعتبر سوء التغذية سببًا مباشرًا للانتحار، بل عاملًا مساعدًا يُضاف إلى عوامل نفسية واجتماعية وسلوكية أخرى. وتسلط النتائج الضوء على أن الحفاظ على نظام غذائي متوازن ليس فقط حماية للجسم من الأمراض، بل دعم للصحة النفسية أيضًا. وتُشير الأدلة المتزايدة إلى أن ميكروبيوم الأمعاء قد يصبح جزءًا مهمًا في تشخيص وعلاج الاضطرابات النفسية في المستقبل.
آفاق وتوصيات مستقبلية
تشير المعطيات إلى أن تعزيز التوازن البكتيري بالأمعاء قد يشكل جزءًا من استراتيجيات تشخيص وعلاج الاضطرابات النفسية مستقبلًا، مع التأكيد على ضرورة الالتزام بعوامل نمط الحياة الصحية كجزء من الوقاية. وتؤكد النتائج أن الدليل يتزايد بشأن دور المايكروبيوم في الصحة النفسية، وأن الدراسات الإضافية مطلوبة لتحديد الآليات وتطوير تدخلات غذائية أو صحية محتملة. وفي ضوء ذلك، يبرز التأكيد على أهمية اتباع نظام غذائي متوازن ومتنوع كإجراء وقائي يعزز مناعة الدماغ وتوازن المزاج.




