تعلن الأبحاث الحديثة أن مجال الصوتيات الحيوية الرقمية يشهد طفرة غير مسبوقة في فهم تواصل الكائنات والكائنات الحية بصفة عامة. ويرتكز هذا التطور على أجهزة الاستشعار الدقيقة التي تسجل أصوات الطبيعة بشكل مستمر وتطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي لاكتشاف الأنماط والارتباطات. ويساهم ذلك في قراءة لغات الكائنات بدءاً من الخفافيش ومروراً بالنحل وانتهاءً بالحيوانات الكبيرة والنباتات. وتؤكد الدراسات أن التفسير يجب أن يراعِي شروط الكائنات غير البشرية بدلاً من محاولة قياس قدراتها بمعايير بشرية.
ثورة جديدة في فهم تواصل الكائنات
تركز الأبحاث المعاصرة على سؤالين جوهريين: هل تنقل الكائنات معلومات معقدة؟ وكيف يمكن تفعيل ذلك باستخدام لغاتها وتجاربها الحسية؟
يؤكد التقرير أن الجمع بين الاستماع الرقمي المدعوم بالذكاء الاصطناعي والاستماع العميق قد يقود إلى اكتشافات هامة في فهم لغات غير البشر واقتراب التواصل بين الأنواع.
كما يحث على دراسة التواصل وفق شروطه الخاصة بدلاً من فرض الحديث كما يفعل البشر، وهو ما يفتح آفاق جديدة في البحث المطرح في البيئات البرية والبحرية.
تقنيات رصد الأصوات الخفية
تعتمد تقنيات الصوتيات الحيوية الرقمية على أجهزة تسجيل رقمية صغيرة وخفيفة يمكن تثبيتها على الحيوانات أو وضعها في الموائل الطبيعية. وتسجيلها المستمر يخلق بيانات ضخمة تُحلّلها خوارزميات الذكاء الاصطناعي لاستخراج أنماط الاتصال والسلوك. وتتيح هذه الرصدات فهم العلاقات الاجتماعية والتفاعل الجماعي للكائنات بصورة ما يمكن من مقاربات جديدة للعلم. وتقلل المقاربة الرقمية الاعتماد على التفسيرات البشرية لتواصل الكائنات غير البشرية.
خفافيش مصرية
أظهرت دراسة حديثة أن خفافيش مصرية تمت مراقبتها لمدة شهرين ونصف، وجرى تحليل نحو 15 ألف صوت لربط كل نداء بنشاط اجتماعي محدد مثل الشجار على الطعام أو التواصل بين الأمهات وصغارهن. أظهرت الخوارزميات وجود أسماء صوتية مميزة وتفاوتاً بين الجنسين في سياق التواصل، حيث تستخدم الأمهات لهجة منخفضة مع صغارهن. كما كشفت النتائج أن الخفافيش تمتلك تعلماً صوتياً متطوراً لا يقتصر على الاعتماد على الصدى. هذه النتائج تشدد على أن الخفافيش ليست مجرد كائنات صوتية بل كائنات قادرة على تعلم أنماط صوتية معقدة.
نحل العسل
أظهرت أبحاث جامعة برلين أن تواصل نحل العسل قائم على الاهتزازات والمواضع إلى جانب الأصوات. وباستخدام خوارزميات الرؤية الحاسوبية والتعلم العميق، أمكن تتبع كل نحلة على حدة وفهم تأثير تواصلها على زميلاتها. وحددت الدراسات إشارات معروفة بين النحل مثل الصمت والتوقف والخطر والإشارات التجمعية، وهي شيفرات تدير السلوك الجماعي داخل الخلية بدقة عالية. تكشف النتائج أن لغة النحل تتجاوز الإشارات الصوتية وتستلزم تكاملاً صوتياً وحركياً في شبكة تواصل داخل الخلية.
زئير الأسود وآفاق جديدة
أعلن فريق من جامعة إكستر عن اكتشاف نوع جديد من الزئير الأفريقي، وهو ما أطلق عليه العلماء الزئير الوسيط. ونشرت النتائج في مجلة علم البيئة والتطور وتبيَّن فيها اختلاف نمط الزئير الوسيط عن الزئير التقليدي، ما يعكس تعقيداً في تواصل الأسود يفوق الاعتقاد السابق. وتشير هذه النتائج إلى أن تواصل الأسود يتضمن طبقات صوتية وأنماط تعرفية جديدة يمكن تفعيلها باستمرار باستخدام الذكاء الاصطناعي. مع استمرار دمج الذكاء الاصطناعي في هذا المجال، يزداد فهمنا للغات غير البشر وربما يفتح آفاق جديدة تتيح التفاعل مع الحياة البرية بشكل أوسع.




