توضح دراسة تحليلية حديثة منشورة في مجلة Nature أن تطوير أدوية جديدة للفصام يواجه معدلات فشل عالية وصعوبات كبيرة. وتُبرز النتائج أن النجاح في الحصول على موافقات لدواء نفسي جديد لا يتجاوز 7.3%، وقد يستغرق المسار أكثر من عقد من الزمن. كما أشارت البيانات إلى أنه خلال السنوات الثلاث الأخيرة فقط وافقت وكالة الأدوية الأوروبية على دواء واحد في الطب النفسي، مقابل 68 دواءً في الأورام. وتبيّن هذه المؤشرات أن فجوة التطوير تعكس تحديات عميقة في البحث والعلاج وليست مجرد نتائج التجارب السريرية.

أسباب فشل الأدوية والتحديات الراهنة

الفهم غير الكافي لآليات المرض

تؤكد الدراسة أن معظم أدوية الفصام المتاحة تعمل على تعديل مستقبلات الدوبامين D2، وتساعد في السيطرة على الأعراض الإيجابية مثل الهلاوس والضلالات واضطراب السلوك. لكنها تفشل في معالجة الأعراض الأكثر تأثيراً في الحياة اليومية، وهي الأعراض السلبية والضعف الإدراكي. كما أنها لا تمنع تحول الحالات المعرضة للخطر إلى فصام فعلي.

غياب نماذج حيوانية دقيقة

توضح الدراسة أن ما يحدث في دماغ المصاب لا يمكن تقليده بسهولة في الحيوانات المختبرية. وتبقى فروق التطور العصبي بين الإنسان والحيوان عائقًا أمام اختبار آليات جديدة بدقة. وهذا يجعل ترسيم تأثيرات الأدوية قبل التجربة السريرية أمرًا صعبًا ويزيد من مخاطر فشل التجارب.

التدخل متأخر جدًا

تشير الأدلة إلى أن التدخل الفعال قد يكون قبل ظهور النوبات الأولى من الذهان. وتتعرض التجارب غالبًا لاستهداف مرضى بعد تشكل الفصام، وهو وقت قد لا يكون الأنسب لإحداث تغيير بنيوي. وتؤكد النتائج أن التدخل المبكر قد يفتح فرصًا لتحسين النتائج مقارنة بالتدخل المتأخر.

تحديد الأنواع البيولوجية الفرعية

غياب تصنيف دقيق للمرضى يجعل التجارب غير متجانسة، فالتفاوتات في الأنماط البيولوجية تعيق تقييم الفعالية وتفسير النتائج. لذا تدعو الدراسات إلى تصنيف المرضى بناءً على الأنماط البيولوجية إلى جانب التصنيف التقليدي.

آفاق العلاج المستقبلية

تطرح الاتجاهات المستقبلية العلاجية فكرة العلاج المبكر قبل تلف الدماغ والتحول إلى الذهان قبل تطور المرض بشكل كامل. وتؤكد الحاجة إلى تعديل تصميم التجارب ليشمل مراحل مبكرة من المرض ويقلل الاعتماد على الحالات المتقدمة فقط. كما توصي بدمج مؤشرات حيوية وصور عصبية لتوقع التحول إلى الذهان وتحديد المتغيرات الحيوية الأكثر صلة بالاستجابة للعلاج.

تسلط الدراسات الضوء على البحث في الجينات المرتبطة بغلوتمامات الدماغ وموت الخلية واللدونة العصبية كمسارات علاجية محتملة. كما تطرح مقاربات مثل العلاجات الجينية باستخدام جسيمات نانوية محملة بميكروRNA لتعديل تشابك الروابط العصبية. وتُظهر هذه الأفكار إمكانات كبيرة لتوجيه أدوية جديدة إلى آليات محددة في الدماغ.

يرتبط جزء من التوجهات المستقبلية بتعديل موت الخلايا عبر استهداف بروتينات مثل BAX وكاسبيس-3، وهو ما قد يقلل من الخسائر العصبية المرتبطة بالفصام. وتبرز كذلك أهمية فهم دور الخلايا الدبقية الصغيرة، إذ يمكن أن يؤدي فرط نشاطها إلى فقدان المشابك العصبية وتفاقم الأعراض. وفي جوانب أخرى، يركز البحث على استهداف نظام الغلوتامات خاصة في المراحل المبكرة لتجنب العواصف الغلوتماتية وتحقق فاعلية أكبر.

شاركها.